مداد – أمينة قويدر
في إطار إحياء ذكرى الثورة التونسية، عقد مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، يوم الجمعة 18 ديسمبر 2020، ندوة حوارية "عن بعد" بعنوان: "عشر سنوات بعد الثورة : نجاح الديمقراطية وتحديات المرحلة القادمة"، أثثتها وجوه سياسية بارزة.
و أشرف على تسيير النقاش نائب رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية صلاح الدين الجورشي، حيث فتح المجال أمام المتابعين للمشاركة و طرح الأسئلة عبر تطبيقة "زووم ويبينار" .
ولئن أكدت هذه الندوة على الطابع الاحتفالي بالثورة و ما حققته للتونسيين من حرية وديمقراطية بعد عقود من الظلم والاستبداد، فإنها جاءت أيضا في سياق وطني صعب اتسم بالتشنج السياسي والاجتماعي والتدهور الاقتصادي.
"عبد اللطيف المكّي: "على القوى الثورية أن تتوحد و تعمل بعقل استراتيجي
لدى تقديمه مداخلة في مستهلّ الندوة، اعتبر القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي أن هناك جذور عميقة للثورة التونسية ، وأن كل محاولات الشعب التونسي لتغيير نظام الحكم عبر العمل السلمي والنقابي منذ الاستقلال، راكمت زخما ثوريا توّج سنة 2010.
و نوّه عبد اللطيف المكي بقيادة الشباب لهذه الثورة، مشيرا إلى أن البعض يستنقص من قيمتها بسبب هؤلاء الشباب و" لكنه يجهل أن الشباب دائما في مقدمة معارك الشعوب وأمة لا يقود الشباب معاركها هي أمة منكوبة"، مؤكدا أن إحدى معارك تونس اليوم تدور حول شبابها: هل تفتكه شبكات الجريمة المنظمة والهجرة غير القانونية والمخدرات و الإرهاب أم تفتكه البلاد و تضخّه في شرايين مشروع وطني يغير منوال التنمية و ينتج الثروة.
و نظرا للحرية التي وفرتها الثورة للشعب، أكد على ضرورة معالجة كل تعثرات البلاد في ظل الإيمان بهذه الحرية لأن" المقايضة بين الحرية ولقمة العيش التي كان يروج لها النظام السابق فشلت مع اندلاع الثورة"، وفق تعبيره.
و أمام التحديات التي تعيشها البلاد في 10 سنوات بعد الثورة، دعا عبد اللطيف المكي كل القوى السياسية، الثورية منها و التي راجعت مواقفها من النظام السابق والتحقت بركب الديمقراطية، إلى المراجعة إخلاصا للوطن، قائلا:" لا أحد فينا لم يرتكب أخطاء، فلنجلس مع بعضنا البعض بصراحة ونجدد النفس لكي تكون العشرية الثانية من الثورة عشرية انجاز مطالب الشعب".
واعتبر المكي أن الذكرى العاشرة لهذه الثورة فرصة للتأمل والنقد الذاتي لدى القوى الثورية حتى تعمل بعقل استراتيجي لتحقيق "الجذع الوطني المشترك" أي الشغل و التنمية و الرفاه للشعب، قائلا:" اننا نواجه اليوم مصاعب الوطن والتنمية بصفوف متخالفة و نوجه جهودنا إلى قضايا في كثير من الأحيان ثانوية، في حيت يتوجب علينا العمل بعقل استراتيجي، خاصة و أن المتضررون من الثورة، وهم كثّر من سياسيين وأصحاب مال فاسد، يعملون بعقل استراتيجي في زوايا الظل، بحجة أنهم ليسوا في الحكم، ولكنهم يخططون ليلا نهارا كيف يعرقلون الثورة ويدخلون البلاد في بلبلة".
"عصام الشابي:" نعتزّ بالثورة .. و لكن علينا المراجعة
من جانبه، عبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي عن اعتزازه بالثورة التونسية و بما حققته للشعب التونسي من مكاسب الحرية و الديمقراطية.
وقال الشابي إن الثورة التونسية مبعث للافتخار، حيث حولت الحلم والمستحيل إلى واقع، و جعلت من التونسيين أسيادا في وطنهم بعد أن أزاحوا حكم الفساد و الاستبداد لبن علي.
كما اعتبر أنه لا يمكن التقليل من شأن الثورة التونسية، ذلك أنها أنجزت ما مازال مستحيلا في المحيط العربي، وأعادت السيادة للشعب، وأتاحت لهم اختيار من يمثلهم و التداول السلمي على السلطة، وحددت علاقة التونسي بالدولة و علاقة المؤسسات ببعضها البعض في إطار دستور ديمقراطي يرتقي إلى مستوى أهم الدساتير في العالم، وفق تعبيره.
و في المقابل، يحيي عصام الشابي " ذكرى هذه الثورة بطعم من المرارة أيضا" وفق تعبيره، مرجعا ذلك إلى الصعوبات الكبيرة التي تمر بها البلاد، فالديمقراطية على أهميتها لا يمكن أن تكون الساق الوحيدة التي تقف عليها الدولة، أو أن تقنع الشعب التونسي بأنها المنجز الوحيد الممكن.
و اعتبر أن نقطة ضعف الثورة هي غياب القيادة السياسية لأن النخب سواء التي وصلت إلى الحكم أو التي عارضتها لم تكن مهيأة لتسيير دولة ديمقراطية قائمة على أنقاض حكم الاستبداد، و لم تكن لديها رؤى و برامج واضحة.
من جهة أخرى، دعا الشابي إلى مواجهة الداعين إلى إيقاف التجربة التونسية بمزيد دعم الديمقراطية والتمسك بها، معتبرا أن الحل، مهما كانت الصعوبات التي تمر بها تونس، لا يمكن أن يكون إلا بالاحتكام إلى القانون و الدستور حتى لا تسير البلاد إلى الفوضى و العنف.
وأمام هذه الأزمة، اعتبر الشابي أن الحل يكمن في أن " نتنادى جميعا في إطار ما أفرزته الشرعية الانتخابية و الدستورية لدعم هذه الشرعية و تصحيح مسارها، و أن نتلاقى في حوار وطني، لتعزيز الثورة بخارطة طريق تخرج البلاد من المأزق لأنه لا يمكن لفريق سياسي اليوم أن يمتلك الحل أو قادر على قيادة البلاد وفق تصوراته".
ومن بين شروط نجاح هذا الحوار وفق الشابي هو ترك ما أفشل الحوارات السابقة، أي إعادة اقتسام الكعكة في تركيبة الحكومة في حين أن البلاد تحتاج اليوم إلى تغيير السياسات و ليس الحكومات، داعيا إلى الكف عن الصراعات المدمرة التي يتحمل الكل مسؤولية فيها، والعودة إلى إعمال العقل لإنقاذ البلاد.
"رضوان المصمودي: " نحتفل .. و نقيّم من أجل التطوير
من جهته، أكد رئيس مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية رضوان المصمودي على ضرورة الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة اعتزازا بما حققته للبلاد إلا أنه وجب في نفس الوقت التقييم حتى يتحسن الأداء وتتحقق أهداف الثورة.
و أضاف بأن الشعب التونسي أنجز الكثير في العشر سنوات الماضية و لا يجب أن نقلل من هذه الإنجازات ، على غرار نجاح الديمقراطية و إثبات أنها ممكنة في العالم العربي والإسلامي .
وأضاف أن هناك من يعتبر أن الديمقراطية غير ممكنة في العالم العربي و أن الثقافة الإسلامية لا تتماشى مع مبادئ الديمقراطية، و أن العرب و المسلمون لا يصلح بهم إلا المستبدون، مشيرا إلى أن ما حدث في تونس انجاز تاريخي و أسقط هذه النظرية السائدة.
وفي المقابل، بين أن هناك صعوبات باعتبار أن الانتقال الديمقراطي ليس عملية سهلة خاصة عندما نلاحظ ما حدث في الدول العربية الشقيقة، و أن إمكانية الفشل في تونس أيضا واردة لأن هناك قوى لا تريد لهذه الديمقراطية أن تنجح و تضخ أموالا طائلة لإفشالها.
وقال المصمودي: " نعيش في معركة وجود مع الثورة المضادة التي تعمل منذ 10 سنوات على التعطيل، و تريد العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد و تحاول بإمكانيات كبيرة سواء من الداخل أو الخارج، و سواء من رؤوس الأموال أو من الإعلام و بعض الأحزاب التي تنتمي للمنظومة القديمة وتعمل على إفساد البرلمان و بث العنف و الصراعات المفتعلة لإلهاء البرلمان و الشعب عن قضاياه الحقيقية".
كما أشار إلى بعض الأخطاء التي وقعت ما بعد 14 جانفي 2011، من ذلك قانوني الأحزاب والانتخابات، موضحا أنهما كانا مناسبين بعد الثورة مباشرة لتسهيل تكوين الأحزاب وتشجيع التونسيين على الانخراط في الديمقراطية الناشئة، و لكن الحياة السياسية الحالية تتسم بالتشرذم نتيجة تأسيس أكثر من 200 حزب مما يؤكد الحاجة إلى أحزاب قوية.
و من بين الأخطاء أيضا غياب الاهتمام اللازم بملف العدالة الاجتماعية، داعيا إلى خلق التوازن بين الديمقراطية والمطالب الاجتماعية في أقرب الآجال، مع النجاح في مكافحة الفساد ليس عن طريق القوانين فقط بل بترسيخ القيم على رأسها المواطنة.
"الأمين البوعزيزي: " التونسيون ثاروا لاسترداد تونس المسروقة
الناشط في المجتمع المدني الأمين البوعزيزي قال إن ما يجري في تونس اليوم من طوفان التظاهر في علاقة بالحريات السياسية لا يفسر مقولة أنه لم يتغير شئ في البلاد، و طوفان الانتفاض الاجتماعي العارم و الغضب الموجود أيضا لا يمكن أن يفسر مقولة الراكنين إلى مقولة أننا أنجزنا ثورة وانتهى الأمر مشيرا إلى أن حالة الانفصام هذه بين طوفان الحريات السياسية و ناكرو التغيير في البلاد، و بين طوفان التحرك الاجتماعي الحامل لبصمة ما جرى منذ سنوات لا يسفر حالة الانتشاء بانتصار الثورة أيضا.
و إذا فشلنا في توصيف طبيعة النظام الذي ثار ضده التونسيون، بين البوعزيزي أنه لن ننجح في تفسير ما جرى وما يجري، مذكرا ببداية التسعينات و مدى تطبيق تونس للرأسمالية في إطار الاصلاحات الهيكلية المفروضة عالميا حينها. و أوضح في الخصوص أن الاقتصاد لم تقع خوصصته في عهد "بن علي" و إنما فوّت للعائلات النافذة، كما أن السياسة لم تتحرر و إنما تم تأميمها و إيكال عملية تدمير البلاد إلى البوليس.
وأضاف أن "بن علي" منع كل أدوات شروط الثورة ضدّه و رغم ذلك لم يستطع أن يمنع قيام هذه الثورة ، مؤكدا أن التونسيون لم يثوروا ضدّ الدولة بل ثاروا لاسترداد الدولة و أدوارها التي سرقت على مدى ربع قرن ولاسترداد السياسة كأسلوب لتدبير الشأن العام بعد ربع قرن من التدبير البوليسي.
و بعد 10 سنوات من الثورة، أشار إلى أن ملامح الدولة البوليسية سقطت، و ظهرت في المقابل معادلة جديدة في البلاد أصبح فيها الشارع "يجرّ الحكام من ألسنتهم" لتطبيق ما تعاقدوا عليه في إطار الدستور، و بالتالي الشارع داخل منطق الدستور و الحاكم خارج منطق هذا الدستور، وفق تعبيره..
فأصعب الثورات، وفق البوعزيزي، هي الثورة التونسية لأنها ثورة ديمقراطية لا أحد يحميها، و هي ثورة تطالب بالحرية و السيادة و المسألة الاجتماعية و لكن بالديمقراطية و ليس على حساب الديمقراطية ، مشيرا إلى أن أشرس الديكتاتوريات بنيت على أساس الخبز و الله و الوطن و الوثن، و بالتالي بالناس نتحرر و ليس نحرر الناس رغم عنهم، معتبرا ما يجري منذ 10 سنوات مقاربة جديدة في التحرر بالناس للناس والمطالبة بالسيادة.
النقاش
دامت الندوة حوالي الساعتين والنصف تحدث فيها المتدخلون على عدة مسائل منها أن إرساء الديمقراطية مسألة صعبة بعد سنوات من الاستبداد، و بالتالي يجب مواصلة المسيرة من أجل أهداف كبرى خاصة و أن هناك أطراف داخلية و خارجية تسعى لعرقلة هذا النموذج باعتباره ينتصر لحقوق الإنسان و الديمقراطية.
و أشار بعض المتدخلين إلى أن مجموعة من اللوبيّات كانت تتمعّش من النظام السابق، وهو ما يفسر دفاعها المستميت عن فترة الاستبداد، و سعيها الدائم للتشويش على كل مظاهر الديمقراطية.
في المقابل، حمل بعض المتدخلون حالة الإحباط في البلاد إلى الحكومات المتعاقبة نتيجة الفشل في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي داعين إلى تدارك الأمر في العشرية الثانية من هذه الثورة.
:المخرجات
- التأكيد على الاعتزاز بالثورة التونسية
- التأكيد على ضرورة الاحتفال بهذه الذكرى لعدة مكتسبات منها الحرية و الديمقراطية
- الثورة التونسية مفخرة لتونس و للعالم العربي أيضا.
- سقوط دولة البوليس و نشوء دولة ديمقراطية قوامها الشعب.
- الشعب التونسي استعاد دولته المسروقة منذ عقود.
- دعوة إلى التقييم و تحديد الإخفاقات و الصعوبات من أجل التطوير .
- دعوة القوى الثورية إلى الوحدة و العمل وفق عقل استراتيجي.
- دعوة إلى حماية الديمقراطية من الثورة المضادة التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لإجهاضها.
- دعوة الى حوار وطني دون إقصاء يحدد أولويات البلاد و ليس لإعادة اقتسام الكعكة.
- العدالة الاجتماعية ليست خيار أيديولوجي بل هي الجذع الوطني المشترك.
- التأكيد على ضرورة أن تكون العشرية الثانية من الثورة عشرية إنجاز و تحقيق الانتقال الاقتصادي و الاجتماعي.