
مداد – منى الخزامي
تحت عنوان " الحوار و إدارة الخلاف في السيرة النبوية"، عقد مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، يوم الثلاثاء 8 ديسمبر 2020، محاضرة عبر تطبيقة "زووم" قدّمها الدكتور محمد الشتيوي، مدير مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان، و قام بتسييرها نائب رئيس المركز صلاح الدين الجورشي.
و لئن كان الحوار إحدى أهم أسس السيرة النبوية وتبليغ رسالة الإسلام، فإن المتدخلون أكّدوا أن الحوار صالح لكل زمان و مكان و هو السبيل الأمثل لحل المشاكل العالقة في تونس الآن و إنجاح الديمقراطية الناشئة.
" الحوار ضرورة انسانية "
قال الدكتور محمد الشتيوي، في محاضرته، إن موضوع الحوار في السيرة النبوية وإدارة الاختلاف موضوع واسع جدا وتم تناوله في العديد من الكتب والدراسات، إلا أنه ضرورة إنسانية باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي يتواصل مع الآخرين والحوار هو خير وسيلة لذلك.
وأضاف أن الإنسان كائن مجادل كما قال الله تعالى "وكان الإنسان أكثر شيئا جدلا"، من خلال ميله للاعتراض والجدل والمناقشة وهو أمر يستدعي الحوار، كما أنه كائن مختلف وقد جعل الله الاختلاف بين البشر سنّة ربانية، فيكون بذلك التعارف عن طريق الحوار.
واستشهد الشتيوي في هذا الخصوص بآيات من القرآن الكريم "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"، " لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقتهم".
" الإنسان كائن حر و مسؤول "
استنادا على التصور الإسلامي، أوضح الدكتور الشتيوي أن الإنسان كائن حر ومسؤول بمعنى أنه ليس ذا بعد واحد مكره على شيء كسائر الكائنات الأخرى فهو كائن مستخلف في الأرض وأعانه الله على حسن الاختيار عن طريق الهداية، مشيرا إلى أن الله هدى الناس عن طريق الرسل الذين تتلخص مهمتهم في الإنذار و التبليغ عن طريق الحوار وهو ما جسدته قصص القرآن المعروفة.
وأضاف أن مسألة الدين والتدين أيضا ليست قائمة على الإكراه بل على الحوار والإقناع وهو أمر واضح عند العلماء المسلمين، اختيار حرّ "وهو وضع إلاهي سائق لذوي العقول لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة باختيارهم"، و بالتالي فإن ذلك يجعل الاختيار عنصر أساسي في الدين.
و أوضح الدكتور في هذا الشأن أن الله تعالى جمع لرسولنا الكريم "محمد" ما لم يجمعه لغيره من البشر: السلطتين الدينية والدنيوية، وهي خصوصية للنّبي تعطيه صلاحيات واسعة لكنه لم يسلطها ليكره الناس على التدين) فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).
الحوار: بين الدعوة و السياسة
أوضح الدكتور محمد الشتوي في هذا الخصوص أن الرسول كان يحاور في ناحيتين: الدعوة عن طريق حوار قائم على الإقناع، والسياسة عبر حوار قائم على الشورى والمفاوضة، و مرجعيّته الأساسية في كل ذلك القرآن (كان خلقه القرآن).
و أضاف بأن السيرة النبوية للرسول صلى الله عليه وسلّم تميزت منذ اليوم الأول بالدعوة للحوار مع الآخر المختلف، ومع الآخر المؤمن في كل من المسائل الدينية من خلال الدعوة والإبلاغ والتعليم والإقناع والمسائل الدنيوية كذلك من خلال المشاورة وإدارة الاختلاف وفض النزاعات.
و بخصوص من يقول أن العهد النبوي كان خاليا من الاختلافات، أكد الشتيوي أن هذا الأمر مخالف للواقع لأن عصر النبي، وإن كان نموذجيا في عدة مجالات، فإنه ليس عصرا ملائكيا وقد كان فيه أخطاء واختلافات ومناقشات وكان الرسول يبذل جهودا كبيرة لتعليم الناس وإقناعهم وكان يحاور المخالفين من خلال إدارة حكيمة بالحوار اللين وبخبرة القائد.
أنواع الخلافات وشروط الحوار
يمكن تقسيم الخلافات، وفق ما بيّنه الدكتور الشتيوي، إلى الاختلافات العقدية (حوار المشركين واليهود والنصارى) والاختلافات السياسية( بين الصحابة) و التي تمت إدارتها بواسطة الشورى لينتهي الأمر بالوفاق، و كذلك الاختلافات في المسائل المالية و في النصوص الشرعية والخلافات القبلية والخلافات المتعلقة بالمسائل القضائية.
و أشار إلى أن المواضيع تختلف باختلاف العصور وباختلاف الإشكاليات المتجددة بين الشعوب والجماعات والحكومات والمنظمات الدولية وحوار الحضارات وحوار الأديان والحوارات الوطنية بين الأحزاب والمنظمات الوطنية.
أما الشروط التي ينبغي أن تتوفر في أطراف الحوار فهي: التساوي في الرغبة والتكافؤ في حرية الطرح والتحلي بالعلم والخبرة والسلوك اللائق دون صخب وتشنج، (لو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك").
و أوضح أن الحوار يرتكز على عدة مقومات، موضوع الحوار: يجب اختياره بدقة وأن يكون مفيدا، مرجعية الحوار: ضرورة وضع مرجعية للحوار حتى يتم الاحتكام إليها، فالقرآن هو المرجعية النصية في السيرة النبوية على سبيل المثال والعقل هو أساس مرجعية عقلية بالإضافة إلى مرجعية أهل العلم والاختصاص حيث قال تعالى: "فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وتبقى "المصلحة العامة المشتركة هي المرجعية الأخيرة"، هذا بالإضافة إلى مقوم منهج الحوار أي الوضوح في طرح القضايا والموضوعية.
و دعا الدكتور محمد الشتيوي إلى إعطاء أهمية إلى أسلوب الحوار وهو اللين والمرونة والصبر وحسن الاستماع للآخر وتجنب السباب والشتائم والتساوي في الوقت وعدم التهديد وعدم الاستهزاء بالآخر وتجنب الجمهور الصاخب والالتزام بنتائج الحوار.
:النقاش و المخرجات
دامت هذه المحاضرة قرابة الساعة والنصف، ألقى الدكتور محاضرته خلال النصف الساعة الأولى، في حين خصّص بقية الوقت إلى طرح أسئلة المتدخلين.
وقد شارك في النقاش عديد المتدخلين، حيث قاموا بطرح أسئلة مختلفة تعلق البعض منها بكيفية الاقتياد بالحوار في السنة النبوية لحل الخلافات الواقعة في تونس، و ضمان تكافؤ الفرص بين المختلفين خاصة في بعض المنابر الإعلامية.
كما تطرقوا إلى أن الحوار السليم هو الصد المنيع أمام كل محاولات الدمغجة والتأثير على الشخص أو الرأي العام من قبل أي طرف، داعين إلى ترسيخ منطق الحوار و التعايش في إطار الديمقراطية.
:و قد انتهت هذه المحاضرة بالمخرجات التالية
- الحوار ضرورة انسانية باعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه.
- الانسان كان حر و مسؤول و لذلك وجب أن يكون كلامه مسؤولا أيضا.
- الحوار لازم السيرة النبوية و كان المقوم الأساسي في نشر الإسلام
- الحوار ضروري في الدعوة و في السياسة أيضا.
- الحوار هو الحلّ لجل الخلافات مهما اختلفت المواضيع و العصور.
- وجب على المحاور اتباع مقومات الحوار وشروطه منها اللين و الاقناع و الاحترام المتبادل.
- الحوار هو السبيل الأمثل للتعايش في إطار الديمقراطية الناشئة في تونس.
*تقرير