تقرير ندوة حوارية حول "أزمة تشكيل الحكومة بين اكراهات الواقع و الحلول الممكنة"
مداد - أمينة قويدر
في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها تونس منذ أشهر نتيجة تعطّل تشكيل الحكومة، عقد مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية ندوة حوارية بعنوان" أزمة تكوين الحكومة بين اكراهات الواقع و الحلول الممكنة"، يوم الخميس 13 فيفري 2020، بمقرّه في مونبليزير، لبحث أسباب وحلول هذه الأزمة.
وكعادته، حرص مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية على تشريك أكثر عدد ممكن من الأطراف السياسية والأحزاب الفاعلة في البلاد للنقاش و التفاعل الإيجابي، بالإضافة إلى حضور عدد من التونسيين من مختلف الحساسيات الفكرية و الشرائح العمرية.
رضوان المصمودي: المركز فضاء مفتوح أمام الأحزاب لبحث مشاكل البلاد
لدى افتتاحه هذه الندوة، قال رئيس مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية رضوان المصمودي إن تونس شهدت صعوبات في تكوين الحكومة منذ الانتخابات التشريعية الفارطة، ومازال الجميع لا يعرف الأحزاب التي ستكون ممثلة في حكومة رئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ ( بعد سقوط حكومة الحبيب الجملي) و مدى ديمومتها وقدرتها على حلّ المشاكل المطروحة إن حظيت بالثقة داخل البرلمان.
وأكد رضوان المصمودي أن المهم اليوم ليس أن تمرّ هذه الحكومة فقط بل الأهم هو أن تكون قوية ولها حزام سياسي موسع وقادرة على الانجاز و مواجهة التحديات الكبيرة.
و شدّد المصمودي على أن المركز، كعادته، حرص على حضور ممثلين عن الأحزاب وخاصة الكبرى منها للحوار و الاستماع إلى أراء بعضهم البعض من أجل فهم وضعية البلاد و تقديم الحلول الممكنة وتكهّن السيناريوهات المحتملة في المستقبل.
عبد اللطيف المكّي: هذه أسباب الأزمة.. و الإقصاء يضرّ بالانتقال الديمقراطي

أكّد القيادي في حزب حركة النهضة عبد اللطيف المكي أنّ الإقصاء لا يمكن أن يخدم مصلحة البلاد في ظل الصعوبات المطروحة أمام الفترة الانتقالية، وذلك في إشارة منه إلى إقصاء رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ لحزب قلب تونس من الحكومة المرتقبة، حيث قال: " هذا الفكر الإقصائي الذي كلما سددنا عليه الثقب إلا وتسرب عبر منافذ أخرى لا أدري إلى أين يمكن أن يذهب بالبلاد".
وأضاف المكّي بأنه لا يمكن لأي طرف تأسيس فكره السياسي على إقصاء فكرة رئيسية في البلاد وصنعت هذا الشعب و أثبتت تجذره لمئات السنين وهي الإسلام، كما لا يمكن في نفس الوقت إقصاء فكرة الحداثة.
ولذلك "الحل" اليوم، حسب عبد اللطيف المكّي، " ليس في الإقصاء بل في كيفية التفاعل و صناعة المشترك بين الأفكار و الأحزاب ".
و أوضح المكي أن أزمة تشكيل الحكومة لها أسباب عميقة و أخرى سياسية، الأولى ثقافية و أخلاقية حيث برز الإقصاء في حين أن الديمقراطية ليست نصوص فقط بل هي ممارسة تقتضي عدم تشجيع و فسح المجال أمام الحزب الفائز للحكم، و التأكيد على أن المعارضة في المناخ الديمقراطي مهمتها ليست تعطيل المصالح العامة و الإنتاج.
أما الأسباب السياسية، أشار المكّي إلى وجود مناورات داخل الأحزاب " لا أنزل بها الله من سلطان" وهي تعكس نفوذ اللوبيّات داخلها ، و لكن في الأخير يجب الانسجام لأن المسألة الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى إرادة سياسية منسجمة.
حاتم المليكي: الحكم في تونس لا يكون إلا عن طريق الصندوق

من جهته، أكّد النائب بمجلس نواب الشعب عن حزب قلب تونس حاتم المليكي أن تونس اليوم أمام امكانية تسليم السلطة بطريقة سلمية ، بعد أن كانت تفتك بالقوة ما قبل الاستقلال، وانتهت بانقلاب على حكم بورقيبة، وبثورة ضد نظام بن علي سنة 2011.
وأضاف المليكي أنه في حال سقوط حكومة إلياس الفخفاخ يمكن إجراء انتخابات وتمرر السلطة بطريقة سلمية، و "في ذلك رسالة لكل الأطراف بأنه لا يمكن الحكم في تونس إلا عن طريق الصندوق".
جهة أخرى، أشار المليكي إلى أن الانتقال السياسي و الانتقال الاقتصادي في نفس الوقت صعب جدا، لأن النهوض بالاقتصاد يتطلب استقرار سياسي ومؤسسات تعمل، مشيرا إلى وجود معضلة في تونس اليوم وهي أن الجميع يريد الانتقالين معا وفي وقت واحد وهو ما خلق حالة من العجز.
وأضاف في ذات السياق بأن المسار الانتقالي اليوم بات مهددا لأن التونسي صار يقايض بين كسب الحرية أو المال، وظهر جيل جديد يعيش على وقع الرقمنة و التطور التكنولوجي الذي عجزت عن مجاراته الحكومات المتعاقبة مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة القادمة على مواجهة هذه التحديات.
وبخصوص موقف حزب قلب تونس من الحكومة، شدد المليكي على أن حزبه سوف يكون معارضة قوية إن وجد في المعارضة، و سوف يساند الحكومة إن شارك فيها.
عبد اللطيف العلوي: الاختلاف ظاهرة ديمقراطية حقيقية ولكن ...
النائب بمجلس نواب الشعب عن ائتلاف الكرامة عبد اللطيف العلوي وضّح في مداخلته أن الوضع الخانق الذي تعيشه تونس جرّاء تعطل تشكيل الحكومة منذ ما يقارب الأربعة أشهر، هو في الأصل ظاهرة ديمقراطية حقيقية.
وأضاف العلوي: " نحن نعيش حياة سياسية حقيقية لم يتسنّى لنا أن نعيشها على مدار أكثر من 60 عاما، وكان يمكن أن تكون تعبيرة ممتازة لو كنّا في بلد يتمتّع بالحدّ الأدنى من الاستقرار و الطمأنينة الاجتماعية والاقتصادية، ولو كنا في مرحلة لا تجذب بها قوى الردّة إلى الوراء..".
وقال: " نحن نرى أن حكومة إلياس الفخفاخ بتركيبتها الحالية يسيطر عليها جانب واحد، ولوبي واحد، وهو رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد الذي لم يعد حزبا أو شخصا، بل أصبح منظومة لها امداداتها في الإدارة العميقة و العائلات الكبرى و التعينات الأخيرة بالمئات دليل على ذلك".
من جهة أخرى، أفاد العلوي بأن أزمة تشكيل الحكومة تعبّر عن الانسداد الحضاري في الخطاب والتواصل بين القوميين و اليساريين و الإسلاميين ، موضحا أن هناك مسألة في العمق و الجينات وهي رفض القوميين و اليساريين للآخر من الإسلاميين.
خالد شوكات: هذه شروط نجاح الحكومة القادمة
المدير التنفيذي لحزب نداء تونس خالد شوكات أكد أن الثورة لم تكن صنيعة حزب سياسي و إلا تيّار معيّن بل صنيعة الشعب التونسي وخاصة الشباب ، و كذلك الديمقراطية التي لم تكن اكتشاف طرف معين بل هي اكتشاف جماعي، و"لذلك لا يجب أن تخضع للمزايدة بيننا كتونسيين"، وفق تعبيره.
وقال خالد شوكات إن الديمقراطية التونسية مازالت غير مقنعة لأن الحرية كانت مطلب نخبوي أكثر مما كانت مطلب شعبي ، مشيرا إلى أن الشباب الذي خرج في الثورة طالب بالعدالة الاجتماعية و بالتشغيل ومكافحة الفساد، و إذا لم تصنع هذه الديمقراطية التنمية ستظل غير مقنعة.
وبخصوص شروط نجاح الحكومة القادمة، قال شوكات إنها مطالبة بالعمل على جعل تونس حاضنة لصناعة الذكاء و الرقمنة تماشيا مع متطلبات الشباب، وبث الأمل في الشعب التونسي والابتعاد عن الصراعات الأيديولوجية، و القيام بالإصلاحات الهيكلية حتى لا تتعاظم المشاكل المتراكمة.
كما يجب أن توفّر موارد مالية و تتخذ قرارات جريئة وتستفيد من التجارب الماضية بعدم تكرار أخطائها منها شرط كفاءة أعضائها وجرأتهم على اتخاذ القرارات الكبرى والمصيرية، مشددا على أن "الوزراء المتردّدين و الذين لهم أجندات ضيقة و غير منسجمين ومتضامنين لن ينعفوا تونس في شيء".
خليل الزاوية: ضرورة تجديد الخطاب السياسي و بثّ الأمل

من ناحيته، أوضح رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات خليل الزاوية أن صعوبة تكوين الحكومة الحالية ناتجة عن سبيين أولهما: تشتت المشهد السياسي الناتج بدوره عن القانون الانتخابي الذي لم يسمح بتنظيم الحياة السياسية و المشهد البرلماني، مشيرا إلى أن تغيير هذا القانون في الوقت الحالي يحتاج إلى حوار وطني وهو ما يمكن أن يمدد الأزمة ولذلك يجب مواصلة التشاور في إطار الهدوء حول هذه الحكومة.
و السبب الثاني، حسب الزاوية، هو تأزم المشهد السياسي لعدة أسباب منها الخروج من نظام ديكتاتوري وعدم إحداث، في المقابل، مؤسسات تأخذ مسافة من الماضي و تجدد الخطاب بأفكار وليدة المرحلة، بالإضافة إلى غياب الرؤية و البرنامج لدى الأحزاب ممّا أعطى صورة سيئة عن ضعف السياسيين وبروز ما يسمى بـ"الكفاءات".
و أضاف: "من أسباب فشل الفترة السابقة غياب الرؤية و البرنامج لدى الأحزاب، و وجود أحزاب صدّرت أزماتها إلى الدولة في فترة ما، ولكن نأمل في تشكيل الحكومة في أقرب الآجال لتلبية تطلعات الشعب التونسي و بث الأمل فيه".
نقاش عام
ساهم الحاضرون من ممثلين عن الأحزاب و شباب و مجتمع مدني و غيرهم من التونسيين في نقاش جديّ وثري خلال هذه الندوة، ووجهوا أسألتهم إلى السياسيين.
و تركّزت أغلب الأسئلة حول أسباب تعثّر المفاوضات و صعوبة تشكيل الحكومة، و تبريرات الأحزاب التي رفضت المشاركة أو ربطت ذلك بشروط معينة.
كما طرح الحاضرون أسئلة حول حساسية المرحلة و مدى قدرة تحمل البلاد تأخر الإصلاحات في صورة إعادة الانتخابات، و الفترة التي يحتاجها القانون الانتخابي لتعديله.
و من بين المسائل التي طرحت أيضا هي أسباب التهاء السياسيين في الصراعات السياسية و إهمال الملفين الاقتصادي و الاجتماعي في ظل مطالب شعبية ملحّة كانت سبب الثورة.
وعبر عدد من المشاركين عن أملهم في التوصل إلى توافق في أقرب الآجال حول هذه الحكومة، وعدم تعريض البلاد إلى انزلاقات خطيرة.
توصيات
أوصى المتدخّلون بضرورة :
- الاحتكام إلى الحوار في كل المسائل الخلافية و جعل مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
- رفض الإقصاء و توخّي التوافق و الوحدة الوطنية سواء في تشكيل الحكومة أو في كل القضايا المطروحة.
- ضرورة تجديد الخطاب السياسي و عمل الأحزاب على تطوير قياداتها.
- تقديم مصلحة البلاد عن المصلحة الخاصة و الحسابات السياسية الضيقة.
- وضع النهوض بالملفين الاجتماعي و الاقتصادي الأولوية الكبرى للحكومة القادمة.
- الانصراف إلى العمل و الإصرار على النجاح للنهوض بتونس وشعبها.
- مجاراة التطور الالكتروني و الرقمة تماشيا مع ما يشهد العالم من تحول سريع.
- نبذ اليأس و الإحباط و بث رسالة طمأنة و أمل للشعب التونسي.