
لم يكن من السهل أن يعيش المرء لعقود من الزمن تحت وطأة استبداد تمارس فيه شتى فنون العنف والتعذيب و التهميش و التهجير والاقصاء من الحياة السياسية إلا أن الأمل الذي لم يختف داخل قلوب المناضلين و المناضلات يبقى ذلك النور الساطع في هذه العتمة، و كانت الثورة التونسية التي أنهت الحكم الأوحد للرئيس المخلوع أبرز مثال عن ذلك .
هذه الثورة أعادت الأمل للشعب التونسي و الطبقة السياسية و الشباب خاصة، في بناء تونس الأفضل، حيث كانت الشرارة الأولى لممارسة أساليب الديمقراطية في العالم العربي من ذلك الحرية و التعددية السياسية و تنظيم انتخابات حرة و نزيهة و شفافة، و تنوع منظمات المجتمع المدني التي كان لها دورا مهما، و في بعض الأحيان محوريا، في نجاح التجربة التونسية منذ 2011 إلى حد هذه اللحظة.
و من موقعه، عمل مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية، منذ تأسيسه سنة 2011 في تونس، على إنجاح هذه التجربة و مساندة المسار الانتقالي الذي شهد عثرات كادت أن تعصف بكل ما تحقق، غير أن وعي الشعب التونسي و تطور ثقافة الحوار بين الطبقات السياسية و قوة المجتمع المدني كانت كل مرة هي البوصلة التي تعدل المسار، منها الحوار الوطني سنة 2013 ودوره في حل الأزمة السياسية الخانقة حينها، و ذلك إيمانا منا بأن "رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب بل في وعي الناس (جان جاك روسو ) .
و نظم المركز، منذ ذلك التاريخ، مئات الندوات الحوارية و الصحفية، و الحملات التحسيسية و الورشات و الأيام الدراسية، في علاقة بالتطورات التي عاشتها تونس سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، و حرص، ككل مرة، على حضور مختلف الأطراف السياسية سواء الحاكمة أو المعارضة، من اليمين إلى اليسار، بهدف الاستماع إلى مختلف الآراء و المواقف و الخروج بحلول لمشاكل البلاد، هذا دون أن ننسى الحضور اللافت لممثلي المجتمع المدني و الخبراء في كل هذه الملتقيات .
و نظرا للتفقير الممنهج الذي اعتمده النظام السابق في التعليم و التعددية السياسية و الممارسة الديمقراطية، فإن المركز راهن على اكساب الشعب التونسي لهذه المفاهيم و الممارسات حيث نظم مئات الدورات التدريبية حول التربية على المواطنة و الديمقراطية، محاربة الفساد، محاربة التطرف، فض النزاعات، التواصل الاجتماعي وغيرها.. حيث قال الأديب "نجيب محفوظ" في هذا الخصوص" إن الديمقراطية هي الحريصة علي التعلم أما الحكم الاستبدادي فليس من مصلحته نشر العلم والتنوير".
و لأن الشباب هو وقود الثورات و مستقبل الشعوب، فإن هذه الشريحة العمرية كانت الرهان الأكبر لدى مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، حيث تمتعت بمئات الدورات التدريبية على مدى سنوات، ومن ذلك أطلق المركز المشروع الرائد " شباب قائد من أجل غد أفضل " في ديسمبر 2019(يتواصل لسنة 2021)، لتكوين 400 شاب و شابة و اكسابهم مهارات وهي كيفية محاربة الفساد، محاربة التطرف، التربية على المواطنة، المهارات القيادية وغيرها، في 10 ولايات: تونس الكبرى، بنزرت، صفاقس، القيروان، جندوبة ، سوسة، سيدي بوزيد، مدنين، قابس، و القصرين .
و مازال المركز يمارس مهامه ويراهن على الشباب لتعزيز مستقبل الديمقراطية في تونس، و يسعى إلى الحفاظ على التجربة التونسية الفريدة في المنطقة، و ينشط في إطار قناعة راسخة بأن تقدم الشعوب يكمن في تحررها من العبودية و الاستبداد .
و يحق للشعب التونسي اليوم، و خاصة الشباب، أن يفخر أمام العالم بثورته و ما تحقق بفضلها من حرية التعبير و النقد، التنوع السياسي و المدني و الانتخابات. ، خاصة في رحاب دول عربية تسودها الحروب أو الديكتاتورية، أو بين دول أوروبية و أمريكية ترى تونس النموذح الوحيد الناجج في المنطقة رغم العثرات الاقتصادية و الاجتماعية التي تحتاج إلى الوحدة الوطنية و كثير من الصبر و العمل للتغلب عليها .
د . رضوان المصمودي
رئيس مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية
ملاحظة: هذا المقال نشر في نشرية المركز "المسلم الديمقراطي" عدد سبتمبر 2020*