مداد – أمينة قويدر
في إطار تسليط الضوء على الحركات الاحتجاجية المطالبة بالتشغيل ببعض الجهات خاصة مع أواخر شهر نوفمبر، عقد مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية، يوم الجمعة 4 ديسمبر 2020، ندوة حوارية افتراضية بعنوان: " الشباب والاعتصامات: بين المشروعية و الفوضى"، أثثها عدد من الشباب.
هذه الندوة عقدت عبر تطبيقة "زووم ويبينار" بتسيير من نائب رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية صلاح الدين الجورشي ، كما بثث مباشرة على الصفحة الرسمية للمركز على الفايسبوك.
و لئن أكد متدخلون على مشروعية المطالب الاجتماعية ومسؤولية الدولة المباشرة على وصول هؤلاء الشباب إلى سياسة لي الذراع من أجل افتاك حقوقهم فإن البعض الآخر أكد أن هذه التحركات فقدت مشروعيتها حينما عطلت مواقع الإنتاج الاستراتيجية للدولة ومصالح بقية المواطنين.
" .. شيماء بوهلال: "مطالب اجتماعية مشروعة ولكن
اعتبرت الناشطة بالمجتمع المدني شيماء بوهلال أن الاحتجاجات الأخيرة حاملة لمطالب اجتماعية مشروعة و لكن هناك من حاول الركوب عليها وتضمينها أهدافا قد تكون فيها و قد لا تكون، أو ربّما كانت في مخيلة الأطراف المتخوفة من هذه التحركات.
و رغم اختلاف القراءات، أكدت شيماء بوهلال أن هذه التحركات تمت من داخل الدولة و من داخل النظام السياسي، أي أن المطالب المتعلقة بالتشغيل والتنمية موجهة للحكومة و للنواب من أجل تطبيق وعود واتفاقيات سابقة، و ليست مطالبة بتغيير النظام الانتخابي أو السياسي.
و أضافت بأن هذه الاحتجاجات تعكس في كل أشكالها فشل الدولة، وأصبح من السهل اليوم استغلالها لتبيان فشل النظام إلا أنه من الظلم مطالبة المحتجين والتنسيقيات الجهوية بتحمّل مسؤولية التأويلات التي يمكن أن تترتب عنها.
و أكدت بوهلال أن هناك جانب عفوي في هذه الاحتجاجات يجب احترامه و الإيمان به، داعية إلى الابتعاد عن تعميم التأويلات الرائجة على جميع التنسيقيات الجهوية نظرا لخصوصية كل جهة.
من جهة أخرى، أكدت شيماء بوهلال أن المجتمع المدني الكلاسيكي فشل في إدارة هذه الاحتجاجات، والتنسيقيات الموجودة دليل على نبذ الهياكل وبداية التحرّر من سلطتها لأن المجتمع المدني حاد عن دوره المتمثل في الوساطة و ترجمة مطالب المواطنين إلى آليات لسياسات عامة، وانحاز إلى الدولة، وفق تعبيرها.
"أمال العماري: "الدولة خلقت أرضية للاعتصامات
من جانبها، أفادت المنسقة الجهوية للتنسيقية الوطنية بقابس" الانتداب حقي" أمال العماري بأن الدولة هي التي أجبرت الشباب على الاحتجاج لافتكاك حقوقه في التشغيل التي طالب بها لسنوات.
و ذكّرت بخوضها رفقة المعطلين عن العمل عديد التحركات لسنوات آخرها الالتحاق باعتصام المركب الكيميائي التونسي منذ أواخر شهر نوفمبر 2020، و بأن نفس الشعارات مرفوعة والواقع مغاير لطموحات الشباب.
و حمّلت العماري مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع إلى الدولة قائلة : " يجب أن تعرقل سير الدولة كي تتحصل على حقك، و تغلق "فانة" الإنتاج و الطريق لتجبر الدولة على التفاوض وتوفير فرص التشغيل، و بالتالي الدولة اليوم كرست منطق الغاب".
و أضافت: " تحركات الشباب ليست مسيّسة بل عفوية نتيجة الملل من التسويف، و من حق هؤلاء أن يحتجوا عندما تتحصل جهات أخرى على فرض تشغيل"، في إشارة منها إلى ولاية تطاوين واعتصام "الكامور" .
و بهذه الطريقة، اعتبرت أن الدولة ساهمت بصفة مباشرة أو غير مباشرة في توسّع رقعة الاحتجاجات لأن هذه الحكومة والتي سبقتها لا تملك سياسة واضحة و واصلت في الحلول الترقيعيّة ومنطق الترضيات، على حد تعبيرها.
"حمزة العكايشي: "ضرورة استعادة الثقة و رد الاعتبار للتعليم
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للطلبة حمزة عكايشي قال إن الوضع الحالي لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة تراكمات خاصة و أن شهري ديسمبر و جانفي يشهدان دائما احتجاجات واعتصامات بمناطق مختلفة من البلاد دون نتائج إيجابية تذكر.
وبيّن حمزة العكايشي التغيرات التي شهدتها تونس قبل الثورة وبعدها ، حيث " نعيش الآن مرحلة أصبح فيها المجتمع "يتعملق" على الدولة بعد أن كانت هي "تتعملق" عليه وتتحكم فيه و تستعمل سياسة الترهيب و التخويف و تفوز في كل معاركها ضدّه.
و أوضح أن انعدام الثقة في الدولة هي التي أوصلت المجتمع التونسي إلى هذه الحالة، حيث أصبحت مختلف الحركات الشبابية بالجهات في موقع قوة و تطالب بتطبيق اتفاقيات سابقة.
و أضاف أن كل حكومة تأتي اليوم تورط الحكومة التي تليها مما جعلنا نتحدث عن غياب استمرارية الدولة، خاصة و أن النخبة السياسية فشلت في إدارة الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية.
و أشار، في هذا الخصوص، إلى أن تونس حققت نجاحا في الانتقال الديمقراطي لكنها فشلت فشلا كبيرا في هاذين الملفين، هذا بالإضافة إلى إشكالية عدم تطبيق القانون من ذلك اضطرار طالبين في كلية سوسة إلى الاعتصام لأكثر من 100 يوم و أحدهما قام بخياطه فمه خلال شهر نوفمبر 2020 من أجل الحصول على أبسط حقوقه.
و اعتبر حمزة عكايشي أن السياق الذي تعيشه تونس اليوم من عدم استقرار اجتماعي لن ينتهي الا بالتوافق رغم أن مقوماته غير متوفرة في الوقت الحالي ، أو عبر انتفاضة أخرى في البلاد.
ودعا العكايشي، في هذا الخصوص، الدولة إلى العمل من أجل استعادة الثقة بينها وبين المجتمع التونسي عبر تطبيق كل الاتفاقيات المبرمة ، و كذلك إعادة الاعتبار للتعليم و إصلاحه كي يتلاءم مع سوق الشغل.
:النقاش
تحدّث المتدخلون، خلال هذه المحاضرة التي دامت قرابة الساعة والنصف، عن الأزمة التي تعيشها تونس في الفترة الحالية و مدى نجاح الدولة في استعادة الثقة بينها و بين التونسيين.
واعتبر بعض المتدخلين أن الدولة كانت متغوّلة ، والرئيس الأسبق " بن علي" هو الذي كان يحكم بقبضة من حديد، فجاء الانفلات المجتمعي بعد الثورة نتيجة لانعدام الثقة بين الدولة والمجتمع، مؤكدين أن ترميم هذه الثقة يحتاج إلى وقت و إنجازات.
و أضاف أحد المتدخلين أن الشعب التونسي ثار ضد نظام ديكتاتوري و لكن بعد سنوات من الثورة وجد أطرافا تمثل النظام القديم أو مقرّبة منه في الحكم، فلم يجد نتيجة لذلك منظومة تشبه مبادئه ومطالبه الثورية فعاد إلى الاحتجاجات مرة أخرى.
هذا و أكد متدخل آخر أن مسار الثورة مازال مستمرا والاحتجاجات مشروعة، و لكن وجب أن لا تعطل هذه التحركات مصالح المواطنين وعجلة الإنتاج خاصة في الأزمة المالية الحالية.
البعض الآخر اعتبر أن التهميش انتشر في كامل تراب الجمهورية و لم يعد حكرا على الجهات الداخلية، كما أن الدولة هي التي أجبرت المحتجين على العنف بعد سنوات من التسويف .
متدخل آخر أشار إلى أن البلاد عاشت ثورة على المستوى الاجتماعي و لكن لم تحدث ثورة على المستوى الثقافي خاصة فيما يتعلق بالتعليم ومدى تلائمه مع سوق الشغل .
:المخرجات
انتهت هذه الندوة بالمخرجات التالية :
- الانفلات المجتمعي بعد الثورة نتيجة طبيعية لنظام كان يحكم بقبضة من حديد.
- اعتصامات الشباب مشروعة طالما أنها لم تعطل سير الدولة و الإنتاج.
- الدولة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه الأزمة و هي التي أجبرت الشباب على الاحتجاج بعد سنوات من التسويف.
- الحكومات المتعاقبة فشلت في معالجة ملف التنمية وكرست منطق الترضيّات.
- الطبقة السياسية فشلت في استيعاب الفئات الشبابية.
- الثقة انعدمت بين الدولة و المجتمع التونسي واستعادها يحتاج إلى وقت و إنجازات.
- ضرورة أن يقبل الشباب الحوار مع الدولة و المجتمع المدني و يقترح الحلول.
- لابد من إعادة اعتبار للتعليم بما يتلاءم مع سوق الشغل.